کد مطلب:354679 شنبه 1 فروردين 1394 آمار بازدید:230

اعتذار أمیرالمؤمنین بالصغر ونحوه
لقد جاء فی الأخبار المذكورة أن الإمام علیه السلام اعتل بالصغر و بأنه

حبسها علی ابن أخیه جعفر بن أبی طالب، ففی روایة لابن سعد: " فقال علی: إنما حبست بناتی علی أولاد جعفر " وعند الحاكم: " إنی لأرصدها لابن أخی " وفی أخری لابن سعد: " إنها صبیة " وكذا عند ابنی عبد البر والأثیر وغیرهما، وعند البیهقی: " إنها لتصغر عن ذلك ". ثم إنه لم یذكر فیه إلا أن عمر " عاوده " فقال: " أنكحنیها فو الله ما علی ظهر الأرض... " فما كان منه علیه السلام - بحسب هذه الأخبار - إلا أن أرسلها إلیه " لینظر إلیها "...! وأضیف فی بعضها بأنه أمر بها " فزینت " أو " فصنعت " فبعثها إلیه... فإن أعجبته و رضی بها فهی زوجة له...! أتری أن ینقلب موقف الإمام علیه السلام من الامتناع لكونها صغیرة، ولكونه قد حبسها لابن أخیه - ولعله لأسباب أخری أیضا... غیر مذكورة فی الأخبار - ینقلب من الامتناع إلی الانصیاع، بهذه البساطة، وإلی هذا الحد؟! إن هذا - لعمری - یستوجب الشك و یستوقف الفكر!



[ صفحه 44]



ولكن قد تلوح للناظر فی الروایات... هنا و هناك... بعض الحقائق التی حاول التكتم عنها فی كتب القدماء أصحابها... ففی روایة الفقیه ابن المغازلی الشافعی - المتوفی سنة 483 ه‍ - بإسناده عن عبد الله بن عمر، قال: " صعد عمر بن الخطاب المنبر فقال: أیها الناس إنه - و الله - ما حملنی علی الإلحاح علی علی بن أبی طالب فی ابنته إلا أنی سمعت رسول الله صلی الله علیه وسلم یقول: كل سبب و نسب وصهر منقطع یوم القیامة إلا نسبیو صهری، فإنهما یأتیان یوم القیامة یشفعان لصاحبها " [1] .

یفید هذا الخبر أن القضیة كانت مورد تعجب من الناس و تساؤل فی المجتمع، الأمر الذی اضطر عمر إلی أن یعلن عن قصده فی خطبة أم كلثوم، ویحلف بالله بأنه لیس إلا ما سمعه من رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم، وأنه كان منه " الإلحاح " فی ذلك... لكن لم یزد هذا اللفظ علی " الإلحاح " شیئا! فلم یوضح كیفیة الإلحاح، ولا ما كان من الإمام علیه السلام... وفی روایة الخطیب: " خطب عمر بن الخطاب إلی علی بن أبی طالب ابنته من فاطمة و أكثر تردده إلیه، فقال: یا أبا الحسن ما یحملنی علی كثرة ترددی إلیك إلا حدیث سمعته من رسول الله... " ففیه: " أكثر تردده إلیه ". و فی بعض الروایات ما یستشم منه التهدید، ففی روایة لابن سعد قال عمر فی جواب قول الإمام علیه السلام: " إنها صبیة " قال: " إنك و الله ما بك ذلك، ولكن قد علمنا ما بك " و فی روایة الدولابی و المحب الطبری عن ابن إسحاق: " فقال عمر: لا و الله ما ذلك بك، و لكن أردت منعی " [2] ولما وقع

الخلاف بین أهل البیت فی تزویجه وسمع عمر بمخالفة عقیل قال: " ویح عقیل،سفیه أحمق " [3] .



[ صفحه 45]



وفی بعضها التصریح بما یدل علی أنه كان ل‍ " درة عمر " دور فی القضیة، وذلك فیما أخرجه الدولابی بسنده عن أسلم مولی عمر قال: " فاستشار علی العباس و عقیلا و الحسن، فغضب عقیل، وقال عقیل لعلی: ما تزیدك الأیام والشهور إلا العمی فی أمرك، و الله لئن فعلت لیكونن ولیكونن. فقال علی للعباس: و الله ما ذاك من نصیحة، ولكن درة عمر أحوجته إلی ما تری " [4] .

لكن أبا نعیم الأصفهانی روی هذا الخبر عن زید بن أسلم عن أبیه، فحذف منه مخالفة عقیل و " درة عمر " وهذا لفظه: " عن زید بن أسلم، عن أبیه، قال: دعا عمر بن الخطاب علی بن أبی طالب فساره. ثم قام علی فجاء الصفة فوجد العباس وعقیلا و الحسین فشاورهم فی تزوج أم كلثوم عمر. ثم قال علی: أخبرنی عمر أنه سمع النبی صلی الله علیه (و آله) وسلم یقول: كل سبب و نسب منقطع یوم القیامة إلا سببی و نسبی " [5] .

ثم إن فی عدة من الأخبار أن الإمام علیه السلام تعلل - بالإضافة إلی الصغر و الحبس لابن أخیه - بأن قال: " إن لها أمیرین معی " [6] یعنی: الحسن و الحسین، و أنه علیه السلام استشارهما و عقیلا و العباس... فكان الخبر المذكور عن أسلم ظاهرا فی سكوت الحسن علیه السلام الظاهر فی الرضاء، بل فی آخر: " فسكت الحسین و تكلم الحسن، فحمد الله و أثنی علیه ثم قال: یا أبتاه من بعد عمر؟ صحب رسول الله، و توفی وهو عنه راض، ثم ولی الخلافة فعدل؟ قال:صدقت یا بنی. ولكن كرهت أن أقطع أمرا دونكما " [7] .

لكن ینافیه ما أخرجه البیهقی عن ابن أبی ملیكة عن الحسن بن الحسن: " فقال علی رضی الله عنه لحسن و حسین: زوجا عمكما. فقالا: هی امرأة من النساء تختار لنفسها. فقام علی رضی الله عنه مغضبا، فأمسك الحسن رضی الله



[ صفحه 46]



عنه بثوبه وقال: لا صبر علی هجرانك یا أبتاه. قال: فزوجاه " [8] .

فعمد بعضهم إلی تحریف القصة المكذوبة هذه فروی عن الحسن بن الحسن نفسه وقوع ذلك الخلاف حول تزویجها من عون فقال: " لما تأیمت أم كلثوم بنت علی بن أبی طالب من عمر بن الخطاب - رضی الله عنه - دخل علیها الحسن و الحسین أخواها فقالا لها... " [9] و هو خبر طویل یشتمل علی أكاذیب مخجلة وأباطیل مضحكة...


[1] مناقب أمير المؤمنين لابن المغازلي: 110.

[2] ذخائر العقبي في مناقب ذوي القربي: 168.

[3] مجمع الزوائد 4 / 272.

[4] الذرية الطاهرة: 158، عنه ذخائر العقبي: 170، مجمع الزوائد 4 / 272 عن الطبراني.

[5] حلية الأولياء 2 / 34.

[6] ذخائر العقبي: 169.

[7] ذخائر العقبي: 170.

[8] سنن البيهقي 7 / 114.

[9] الذرية الطاهرة: 158، ذخائر العقبي: 171.